Notes

أحدَ عشرَ كوكبا #2 الإنسيُّ اللَّبِك

لا بُدَّ لنا شِرذِمَةَ البَشر أن نحفَظَ ذاكَ اللُّبَ اللَّبِك , سِرْ في قلبِك وتفقّد جوارِحَك , ثُمَّ توسَّمْ المَكنون
وممّا لا شكَّ فيه أنّنا نمتَلِكُ عقلاً حُوشيّاً في بعضِ الاحيان ..
صُدورُنا اختَلجَت أثيثاً مِن العواطِف , أنفُسُنا امتَصَّت موائِعَ الإحسَاسات , وتأزَّر كلٌّ منّا مُحيَّاهُ , ثُمَّ انطلقنا للحَياة ..

تُيِّمنا بالتَّميُّز وحُبِّ الذات , وابتَغينا التَضلُّعَ والتَمكُّنَ في كُلِّ مُمارَسةٍ او مُزاوَلة , فتَبدَّى لنا ذاكَ التَّبايُن اللَّبِك الّذي ذَرَأ قُدراتٍ جديدةٍ عندَ بعضِ البَشر , ومَغبّةُ حالِهم أنَّ تِلك القُدُرات , أبرَأت كيِّسَهم وأسقَمَت جاهِلَهُم ..
أظهَرْنا تمايُزاً جليّاً في طَويّة أفكارنا وبدأت فعاليّتُه تنجَلي على الجَوارِح , وأصبحَ الآدَميُّ مستَقلّاً خلّاقاً ..
وليسَ هُنالِك وشيجَةٌ صَلبَة بينَنا وبينَ سرائِرِ البَشر , لربّما نَجِدُ الحُنُوَّ الوالِديَّ لَها , لكن علينا أنْ نحتَرِزَ مِن الوُلوجِ عليها والتَّسرُّبَ في نَجواها ..

بدأَ الله خَلْقَ الإنسانِ مِن طِين , خُلِقَ الإنسانُ ضَعيفا و خُلِقَ الإنسانُ مِن عَجَلْ , ثمَّ كانَ الإنسانُ عَجولا وكانَ الإنسانُ أكثَرَ شيءٍ جَدلا ..
هكذا هُم الإنسيّون , والسَّوِيُّ مِنهم بحضورِهِ الأرِيب لا يَحدُّهُ بأسُ الحَياة , إذ تراهُ يُزيلُ حِباك الحَمام في ما اشتدَّ واستَغلَق ..
ومَعرفةُ قَدر النَفْس ديباجَةٌ في تهوينِ الاحوال وفيها جُنَّةٌ مِن العَثرات والزَّلات ..

قَد نَجدُ داخِل بعضِنا بحراً رَحيباً قصيّاَ , والبَعضُ الآخر لا يملِكُ سِوى بُحيرةٍ ضئيلةٍ ضَحلة تنتهي إلى قَطرات , وتبايُن الذَاتيّةِ بينَنا يظهَرُ بيِّناً مِن خِلال مُعاملاتِنا , أخلاقِنا , كلِماتنا , إهتِماماتِنا , حتى نَظراتُنا وما يتَوارى خلفَ قُضبانِ صدُورِنا ..

الفِطرةُ عظيمَةٌ في إيضاحِ ماهيّةِ الوجود وترتيباتِ الكَيان البَشريّ , فهيَ العامل الأصْل في اتّخاذ منطِقيّة الماديّات , ولكنَّني أرى أنَّ إِبْتِناءَ الذّات يبدأ مُنذ الأزَل بالبيئَة والتَعليم والتَثقيفِ المُبكّر كَي يستطيعَ الإنسانُ على تَشييدِ نفسِه إذا ما لوّثَته أغبِرَةُ الحياةِ وتراكُماتُها ..

الأرواحُ جنودٌ مُجنّدة ما تَعارف مِنها ائتَلف وما تنَاكر مِنها اختَلف , وقد نُبتَلى بِكُرهٍ مِن قلبٍ أنْغَص او عَقلٍ تَعِس , لكنَّ السَّبْرَ الأساسيّ يكونُ في إخضاعِ النّفسِ وتأديبِها لقَبولِ رِضى الرّحمنِ -جلَّ في عُلاه- , فأنت إذا استَحوذتَ على نَفسِكَ بالخَير , كَسِبتَ قلوبَ الغَير , ولكن إيّاكَ أن تَشُقَّ على نَفسِك لغايةِ امتلاك القلوب وسَبيِّ العقول , بأن تَحيدَ عن المَقصَد السامِي وتَغدو رَجُلاً مَعْرُوفاً بِمُرَاءاتِه ..

في زَمن الفِتنة والنوازِل هنالِك الكَثيرُ من الرُّعاعِ المتوحّشين الّذين يطوفونَ حولَ جَهلِهم في أفلاك , وليسَ مِن السَّهلِ أن تكونَ دَمِثاً ليِّناً في إشعاراتِك ,ومازِلتُ أقِفُ حائراً أمامَ مَدى عُمقِ هذه النّفس البشرية آنيّة التفكير وبطيئَة التنفيذ وما تستطيعُ فعلَهُ من خيرٍ ترغَبُ فيه او شرٍّ ترغَبُ عَنه ..

مَهما انتَعَشَت روحي وازدَهَر عَيشي ومأكلي , مَهما تنامَت أعمِدتي واتّصلَت كلُّ أسبابي , حتى وإن تزاحَمَ الحُبُّ في قَلبي وتعاظَم ..ما نَسيتُ البَتّة أنَّ صَرختي الأولى كانَت إليك ونِدائِي الأوّل ونَغْنَغَتي ومُناجاتي , وجودي , بشريَّتي , ضعفي , خوفي ,حُزني, فرحي , كلُّها يا ربّي كانَت ومازالت تَقودني إليك ..

حسين آل موسى