NotesWhat is notes.io?

Notes brand slogan

Notes - notes.io

الأنا
من أنا؟
خمسون عاماً مرّت من عمري قضيتها أتعلّمُ وأعلِّم، أسألُ وأُجاب، وأُسألُ فأُجيب، عشرات الآلاف من الساعات قضيتها أدرسُ وأبحثُ وأُطالِعُ وأقرأ
خمسون عاماً مرّت سريعا ً، وفجأة أدركت أنّ أَهَمَّ سُؤالٍ في حياتي ما زال يحتاج إلى إِجابة... مَنْ أَنَا ؟

هل أنا أفكاري ومعتقداتي؟ هل أنا عِلمي وشِهاداتي؟ هل أنا حِرفَتِي وخِبرَتِي أو مَلَكَاتِي ومُمتَلَكَاتِي؟ هل أنا تاريخيَ الأُسَرِيّ أو مكانتيَ الإجتماعية وعلاقاتي؟
أو أنّني لستُ أيّا ً من هذا !؟

وبدأت رِحلَتِي أقرأُ وأَبحثُ وأتعمّقُ وأَغوصُ بحثاً عن ذاتيَ الحقيقيّة... وبدأتُ أكتشِفُ أَعظَمَ حقيقةٍ في حياتي، لِأُدرِكَ أنّ كلَّ ما كُنتُ أظنُّ سابِقَاً أنّهُ أنا لم يكن إلا وَهْمَ الأنا، وأنّ مُعظَمَ أفكاري لم تكن إلا لتغذّيَ هذه الأنا
وكلما غصتُ أكثر وأكثر اقتربتُ من الروح، من نَفْخَةِ الرَّحمن التي فيَّ واكتشفتُ ذاتيَ الحقيقيّة
وعلى قَدْرِ بُعْدِ المسافةِ بيني وبينَ الأَنَا الوهميّة تَضَاعَفَتْ مشاعِرُ الحبِّ والسَّلامِ والسعادةِ فيَّ، لكنّها مَشَاعِرُ حبٍّ وسلامٍ وسعادةٍ غَيْرَ تلك التي كنتُ أشعرُ بها بالأَنَا الوهميّة

أَدْرَكْتُ حِينَ إِذِن أَنَّ الموتَ ليسَ مُحْزِنا ً ولكنّ المُحْزِنَ حَقّاً أَنَّ مُعظَمَ النَّاسِ يُولَدُون ويموتون من دون أَنْ يَجِدُوا أنْفُسَهُم وبذلك فَهُمْ لَمْ يَعِيشوا قط
وأدْركتُ كذلك أنّ هناكَ ذاتاً حقيقيّة وذاتاً أُخرى وهميّة وهي الأَنَا التي فيَّ

نخرُجُ من بطونِ أُمّهاتِنا لِنَدخُلَ إلى الدُّنيا بفطرةٍ ربّانيّةٍ سويّة نُدْرِكُ بها أَنَّنا جُزْءٌ لا يتجزّءُ من منظومةٍ كونيّة، وتَبدَأُ حَوَاسِنَا بالعمل لِتَقُودَنَا في رِحلتِنَا الأرضيّة نَتَعَرَّفُ بها على غيرِنَا قبل أن نَتَعَرَّفَ بها على أنفُسِنا؛ فَكُلُّ حواسِنَا مُوَجَّهَةٌ للخارج...
ونَبْدَأُ رحْلَةَ تكوين صورةٍ ذِهنيّةٍ عن ذواتِنَا، وهيَ نِتَاجُ رؤيةِ مَنْ حَولِنَا لَنَا، نَرَى أَنفُسنَا في أَعيُنِ أَقرَبِ النّاسِ إِلينَا... إِنّها صورَةٌ ذِهنيّةٌ وَهميَّةٌ من صُنْعِ أَفكارِنَا
إنّها الأَنَا الذاتُ الوَهْميّة، بَدَأت بالتكوُّنِ في مَرْحَلَةٍ مُبَكِّرةٍ مِن أعْمارِنَا، ولكنْ هل صورةِ الذاتِ هذهِ هي بِحَقّ مَنْ نكون؟ أمْ أنَّ هُنَاكَ ذاتاً أُخْرَى حقيقيّة تَكْمُنُ هناكَ في الأعماق، تَرْقُبُ وتَعِي وتُدْرِكُ أنَّ الذّاتَ الحقيقيّة التي تحمِلُ النَّفْخَةَ الرّبانيّة أكْبَرُ وأعظَمُ وأقْدَسُ مِن أنْ تُجَسَّدَ في صورةٍ ذِهنيّة وقوالِبَ طينيَّة، إنّها الذات التي ذَكَرَهَا الرَّحمنُ في قولِهِ: ((ونفختُ فيهِ مِن رُوحي))

ويَبْدَأُ الصِّراع بين ذاتَيْن، بينَ صورةٍ ذِهنيّة لكنَّهَا في عين صاحِبِهَا والنَّاسِ مَرْئِيّة وذات أُخرَى حقيقيّة لكنّها مغمورةٌ في الأعماقِ مَنْسِيَّة
ويستمرُّ الصراع...

كم سألتُ نَفسِي طِفْلاً، مَنْ أَنَا ؟
وكذَلِكَ الحالُ مع كَثِيرٍ مِنَ البَشَر، مَنْ أَنَا ؟
شَيْئَا ً فَشَيْئَاً نعيشُ مع المرئِيّ المُعْتَرَفِ بِهِ مِن قِبَلِ غَيْرِنَا ونُهْمِلُ ذَوَاتِنَا الحقيقيّة لِتَغوضَ أكثَرَ فَأَكثَرَ في الأعماق، فَيَخْفُتُ صَوْتُهَا ويَنْدَثِرُ أَثَرُهَا ونَعيشُ ما تَبَقَّى مِن عُمرِنَا مع صورةٍ ذِهنيّةٍ للذات، مع الأنا، ولإنَّنَا نُدرِكُ في أعماقِنَا أنّ هذِه الصورة للذاتِ ذِهنيّةٌ وهميّةٌ فإنّنا نُدرِكُ كذلِك ضَعْفَهَا وهَشاشَتها وحاجَتَها للحمايَةِ والدِّفاعِ عَنها خَوْفَاً مِن أنْ يَنْكَشِفُ زَيْفُهَا ولا نَجِدُ ذاتاً أُخْرَى نَخْتَبِأُ وراءَهَا وهُنَا يَكْمُنُ مَنْشَأُ كُلِّ الأمراضِ الإنسانيّة

مَن أنا؟
قَدْ لا أكونُ ما أظُنُّ أنَّنِي أَنَا، أنا لستُ ملكاتي ولا ممتلكاتي، أنا لستُ تعليمي ولا شهاداتي، أنا لستُ شكليَ الخارجيّ ولا حتى آرائي
قَد تجدُ هذا الكلامُ غريبا ً ولكنْ إذا كُنْتَ لا تُصَدّقُ ذلك الآن فإنَّنِي وأنتَ وأنتِ حَتْمَاً سَنُصَدِّقُهُ قريباً شِئْنَا أمْ أَبَيْنَا سَنُصَدِّقُهُ ونُدرِكُهُ ونَتَيَقُّنُ مِنْه على فراشِ الموت، فالموتُ سَيُجَرِّدُنَا ويُعَرِّينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَسْنَا نَحْن، الموتُ سَيُجَرِّدُنَا مِن كُلِّ الأشياءِ التي لا تَعْدُو إلا أنْ تكونَ صِوَرَاً وأشكالاً مِن صُنعِ الذاتِ الوَهميّة، من الأنا، ولَقَدْ رَأَيْتُهَا في أَعيُنِ كُلَّ الذينَ شَاهَدْتُهُم على فراشِ المَرَضِ وَالمَوْتِ فِي آخِرِ سَاعاتِ حَيَاتِهِم
في تِلْكَ اللحظات التي وَصَفَهَا الخَالقُ العالِمُ سُبحانَهُ فقال:((فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)) ولو كان للعين أنْ تَنْطِقَ آنَ ذاك لكانَتْ خَيْرَ مُعَلِّم ولَكَشَفَتْ لَنَا سِرَّ الحياةِ قائِلةً: "إنَّ سِرَّ الحياة هُوَ أنْ تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ تَمُوت لِتُدرِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بالمَوْت "
أَيْ أنَّنِي أُمِيْتُ هذهِ الأنا في قَلْبِي في هذهِ الدُنيا، أَلَيْسَتْ إقامةُ الصَّلاةِ إذا أدَّيّناها حقَّ أدائِهَا خَيْرَ تَدْرِيبٍ عَمَلِيّ نُمَارِسُهُ خمسَ مرّاتٍ في اليوم لِنَخْرُجَ مِنهَا وَقَد أَخرَجنَا بِهَا الأنا التي فِينا وما اقْتَصَرَ سُجُودِي فِي صَلَاةٍ فَقَلبِي سَاجِدٌ طُولَ الحَياة

أدرَكْتُ أنَّ جُلَّ أَمراضِ النَّفْسِ وفَسَادِ الأَرْضِ والبَرِّ والبَحْرِ مَصْدَرُهُ الأَنَا
إِنَّهَا الأَنَا التي أَخْرَجَت إِبليس مِنَ الجَنّة عِندَمَا قال: ((أَنَا خَيْرٌ مِنْه، خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وخَلَفْتَهُ مِن طِين))
إِنَّهَا الأَنَا التي أغرفت فرعون عندما قال: ((أَنَا ربُّكُم الأَعَلى))
إِنَّهَا الأَنَا التي خَسَفَتْ بِقَارُونَ الأَرض عِندَما قال: ((إِنَّمَا أُوتِيتَهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي))
إِنَّهَا الأَنَا التي أَحَاطَتْ بِصَاحِبِ الجَنَّتَيْنِ عِندَما قال: ((أنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وأَعَزُّ نَفَرَاً))

الأَنَا هِيَ عَدُوِّيَ الحقيقيَ، هِيَ مَصْدَرُ شَقَائِي ومُعَانَاتِي

وكُلَّمَا بَحَثْتُ أَكثَرَ وقَرَأَت، أَدْرَكْتُ أنَّ الأَنَا التي أَنْسَتْنَا أَنَّنَا جَميعاً خُلِقْنَا مِن نَفْسٍ وَاحِدَة، أَنَّنَا جُزْءٌ مِن تَدْبِيرِ كَوْنٍ مُتْقَنٍ بَدِيع
الأَنَا أَنْسَتْنَا أَنَّ حُبَّنَا لِكُلِّ مَا حَوْلِنَا هُوَ أَسمى صُوَرِ حُبِّنَا لرَبِّنَا وأَصْدَقُ صُوَرِ حُبِّنَا لأَنْفُسِنَا وأَنَّ حُبَّنَا لِذَوَاتِنَا الحقيقيّة لا يكونُ إلّا بِحُبِّنا لِكُلِّ مَا حَوْلِنَا

الأَنَا أَوْهَمَتْنَا بِأَنَّنَا مُنْفَصِلُون عَنْ بَعْضِنَا وبِهَذا الفَهْمِ الخَاطِئ يَأتِي الشُّعورُ بِالخَوْفِ عَلَى هَذهِ الأَنَا
تَيَقَّنْتُ أَنَّ كُلَّ أُمرَاضِ الفَرْدِ مَصْدَرُهَا وَمَنْشَأُهَا وَهْمُ الأَنَا
أَدْرَكْتُ أَنَّ حَالَةَ اللَّاوَعْي الَّتِي يَعِيشُهَا الإِنْسَانُ اليَوم سَتُؤَدِّي لَا مَحَالَة إِلى مَزِيدٍ مِنَ القَتْلِ وَالتَّدْمِير إلّا أنْ يَسْتَيْقِظَ الوَعْيُ البَشَرِيّ فَنَعِي وُنُدْرِكَ بِذَوَاتِنَا الحَقيقيّة أَنَّنَا خُلِقْنَا مِن نَفْسٍ وَاحِدَة بِنَفْخَةٍ رَبَّانِيّة وَأَنَّنَا كَائِنَاتٌ رَوْحَانِيّة فِي قَوَالِبَ طِينيّة وَتَجْرُبَةٍ أَرْضِيّة وأَنَّ إِرْتِبَاطَ مَصَائِرِنَا بِبَعْضِنَا قَضِيّةٌ حَتْمِيّة مُحْكَمَةٌ بِسُنَنٍ رَبَّانِيّة

وَوَصَلْتُ إِلى نَتِيجَةِ أَنَّ أَهَمَّ وَظِيفَةٍ لِكُلِّ إنْسانٍ عَلَى وَجْهِ هذِهِ الأَرْض هِيَ أَنْ يُرَاقِبَ الأَنَا الَّتِي فِيه
أَنْ أُرَاقِبَ أَفْكَارِي وَعَوَاطِفِي وَكُلَّ الأَشْكَالِ وَالصُّوَرِ الذِّهْنِيّة بِعَيْنِ ذَاتِيَ الحَقيقيّة
أَنْ نُوْجِدَ تِلكَ المَساحةِ بَيْن وَعْيِنا وَبَين أَفْكارِنَا وَعَوَاطِفَنَا وِبِذَلِكَ نَتَحَرَّرُ مِن أَسْرِ التَّمَاهِي أو التَّعَلُّقِ أَو تَعْرِيفِ الذَّاتِ مِن خِلَالِ أَيِّ شيءٍ غَيْرِ الذّاتِ الحَقيقيّة وتَعُودُ سِيادَتُنَا عَلَى العَوَاطِفِ وَالأَفْكار بَعْدَ أَنْ ذُفْنَا مَرَارَةَ تَبِعَاتِهَا مِن قَتْلٍ وَفَتْكٍ وَدَمَار
إنَّهَا يَقْظَةُ الوَعْي الفَرْدِي وِالجَمْعِي إِنَّهَا ثَوْرَةُ عَصْرٍ جَدِيد فِي يَقْظَةِ وتَطوُّرِ الإِنْسَانِيّة لِنَسْتَرِدَّ بِهَا أَغْلَى وَأَقْدَسِ مَا فِينا
إنَّهَا يَقْظَةٌ لا مَفَرَّ مِنْهَا فَالبَدِيلُ تَدْمِيرٌ كامِلٌ للإِنْسَانِيّة
إِنَّهَا ثَوْرَةُ إِسْتِردَادِ وَعْيِنَا بِذَوَاتِنَا الحَقيقيّة
إِنَّهَا رِحلَتُكَ وَرِحْلَتِي وَرِحْلَتُنَا جَمِيعَاً
إِنَّهَا غَايُتَكَ وَغَايِتَي وَغَايَتُنَا جَمَيعَاً
إِنَّهَا سَفِينَةُ نَجَاتِكَ ونَجَاتِي ونَجَاتِنَا جَمَيعَاً
     
 
what is notes.io
 

Notes.io is a web-based application for taking notes. You can take your notes and share with others people. If you like taking long notes, notes.io is designed for you. To date, over 8,000,000,000 notes created and continuing...

With notes.io;

  • * You can take a note from anywhere and any device with internet connection.
  • * You can share the notes in social platforms (YouTube, Facebook, Twitter, instagram etc.).
  • * You can quickly share your contents without website, blog and e-mail.
  • * You don't need to create any Account to share a note. As you wish you can use quick, easy and best shortened notes with sms, websites, e-mail, or messaging services (WhatsApp, iMessage, Telegram, Signal).
  • * Notes.io has fabulous infrastructure design for a short link and allows you to share the note as an easy and understandable link.

Fast: Notes.io is built for speed and performance. You can take a notes quickly and browse your archive.

Easy: Notes.io doesn’t require installation. Just write and share note!

Short: Notes.io’s url just 8 character. You’ll get shorten link of your note when you want to share. (Ex: notes.io/q )

Free: Notes.io works for 12 years and has been free since the day it was started.


You immediately create your first note and start sharing with the ones you wish. If you want to contact us, you can use the following communication channels;


Email: [email protected]

Twitter: http://twitter.com/notesio

Instagram: http://instagram.com/notes.io

Facebook: http://facebook.com/notesio



Regards;
Notes.io Team

     
 
Shortened Note Link
 
 
Looding Image
 
     
 
Long File
 
 

For written notes was greater than 18KB Unable to shorten.

To be smaller than 18KB, please organize your notes, or sign in.