Notes

ربّ ضارّة نافعة

لم يكن بالإمكان أن يتواصل الوضع على الحال التي كان عليها من لخبطة ومن تداخل في مناطق السيطرة ومن تضارب للمصالح والسياسات وما تفرزه من احتكاكات يوميّة وتولّده من تجاوزات واستفزازات بل إنّ الأمر بلغ درجة الاعتداءات التي تكرّرت كثيرا بين الجماعات المختلفة والمتنافرة التي تجتمع كلّها الصّالح منها والفاسد المفسد في منطقة واحدة وفي مدينة واحدة فأزهقت أنفس كثيرة عمدا وبغيا بغير حقّ.

الاحتراب الجاري حاليّا والذي جاء نتيجة تراكمات عديدة وعمليّات شحن للأنفس مهّدت لها تصريحات من هنا وهناك ونفخت فيها أطراف متعدّدة كلّ منها كان مدفوعا من جهات لها مصالح تريد تحقيقها وغايات تريد بلوغها والتي بلغت حدّها الأقصى بهجوم ما يسمّى بجيش المجاهدين المتحالف مع جبهة ثوار سوريا على أفراد وجنود ومقرّات الدّولة الإسلاميّة في العراق والشام فأسفر هذا الهجوم الغادر عن قتل أكثر من 300 مجاهد (بعضهم يرفع الرقم إلى 500) أغلبهم من المهاجرين وما تبع ذلك من أسر للنّساء المهاجرات بأعداد كبيرة .. أمّا كبرى الفصائل المحسوبة على التيار السلفي والمتمثلة خصوصا في أحرار الشام و جيش الإسلام فقد فاجأت الجميع بوقوفها موقف المشجّع للمهاجمين قبل أن ينخرطا مباشرة في العمليّة العسكرية التي أصبح من الواضح أنّه قد بُيِّت لها بليل وأنّها أُعِدّت بتنسيق من كلّ الأطراف وأنّ جهة ما أعطت لكلّ هؤلاء مجتمعين الضّوء الأخضر للحسم في أمر "داعش" وطردها من مناطق نفوذها في مرحلة أولى وذلك قبل دحرها نهائيّا خارج الحدود السوريّة.

وحتّى لو تغاضينا عن عناصر التّأثير الخارجيّة التي دفعت دفعا إلى المواجهة وحتّمت على من يأتمرون بأمرها ويعملون على تنفيذ أجنداتها داخل التراب السوري أن يسرعوا في عدوانهم على الدّولة الإسلاميّة ويوسّعوا هجومهم على أكثر من موقع، حتّى لو تغاضينا عن كلّ هذا فإنّه كان يجب لمثل هذا القتال أن يحدث يوما ما وكان من المفترض أن يدرك الجميع ومنذ البداية أنّ الغمد الواحد لا يمكن أن يتّسع لسَيْفَيْن وأنّ المدينة الواحدة أو القرية الواحدة لا يمكن أن تُساس من عدّة أطراف متنافرة ومتناقضة في كلّ شيء تقريبا وكلّ طرف منها يعتبر نفسه الأولى بالإشراف على المدينة والأقدر على تسييرها والأكفأ في إدارتها لذلك لم يفاجأ انفجار الوضع كلّ من أدرك هذه الحقيقة منذ الوهلة الأولى التي بدأت فيها الاحتكاكات وشاعت فيها الاستفزازات وكثرت فيها التشكّيات. كان القتال أمرا حتميّا لا مفرّ منه ليستقلّ كلّ فصيل "بأرضه" التي لا يشاركه في إدارتها أحد والتي يعتبرها قاعدته الحصينة الآمنة التي لا ينازعه عليها أحد، وهذا عين ما بدأ يتجلّى واقعا على الميدان حيث تمكّنت الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام من تصفية بعض المدن من التواجد غير المرغوب فيه للفصائل الأخرى المنافسة والمعادية على حدّ سواء وذلك بعد أن تمكّنت من صدّ العدوان ودحر الصّائلين الذين بدأوها بالقتال، وكالعادة تسفر المحنة عن منحة ويأتي بعد الشرّ خير كثير مصداقا لقوله تعالى: " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين".
أمّا المدن التي يسيطر الدّولة عليها كلّيا أو على جزء كبير منها فهي : الرّقة – سراقب – دير الزّور – البادية بالإضافة إلى كثير من المناطق الشرقيّة في حين لم يتمكّن المهاجمون إلاّ من دخول مدينة حلب دون ريف حلب الذي لا تزال الدّولة تتواجد في مناطق كثيرة منه.