Notes

قرأت في مراسلاتگ السابقة انگ بتعمَل في هيئة تدريس جامعية .. ودا معناه انگ شخص يتمتع بثقافة عالية ، وفي الحقيقة اندهشت اما لقيت عندگ عزم جاد في انگ تترگ العمل لظروف صحية .. خليني اقولگ بعض الملاحظات على الشغل بوجه عام -من واقع خبرتي المتواضعة- اللي قد يكون انت على دراية بيها لكن مش لامسها برؤيتگ ..
الشغل مش مجرد وسيلة لـ جلب المال ، أو لتحسين المستوى المعيشي .. الشغل قوام شخصية ، ووجاهة اجتماعية ، وبطاقة تعريف قوية .. انت نفسك في سؤالگ الأول قلت من ضمن تعريف نفسك (بشتغل كذا) .. وأما تتقدم لأهل فتاة هتقول بشتغل كذا .. وأما تحضر مناسبة هتتسأل بتشتغل ايه ؟ .. معتقدش هيكون من اللائق لشاب في مقتبل العمر ان تكون اجابتك : (كنت بشتغل كذا) .. او اولادك فيما بعد (بابا كان كذا) ..
حتى علاقاتك هتتأثر على الجانب الإجتماعي لأن الشغل معارف وعلاقات متبادلة بيكتسبها الإنسان بفعل الإحتكاك الدائم والمباشر بكل صنوف الناس ..
لكن اما تكون مش شغال حتى لو معاك فلوس كتير .. مش هتحس بقيمتك كإنسان يتفاعل مع الحياة ، يعطيها ويأخذ منها ، وهتشعر مع الوقت في علاقاتك مع اقرب الناس ليك انك مجرد هدف تمويلي فقط .. لا يذكرونك الا وقت احتياجهم ، ويذهبون ويجيئونَ عليك وانت كالشجرة تمكث في وضع الثبات .. يقطفون ثمارك ويمضوا .. وستصبح وكأنك رجل عجوز في عنفوان شبابه .. وتداهمك الامراض النفسية والفكرية قبل الجسدية ..
فالعمل مهم حتى لو كنت من أرباب الثروة ومُلاك الأراضي .. لأن المال يذهب ويجيء لكن الشغل والقيمة والدافع والإرادة صفات يصعب تعويضها ..
لي صديق من المنصورة .. والده مات وترك له إرث عمارتين .. فضل فترة عايش على الايجار اللي بيجيله منهم ، وكان دايما يتباهى ويقول : انا اتربيت اصرف القرش ازاي مش ازاي اجيبه .. من فترة اشتكى من الملل وعدم القيمة وفقدانه لذاته وهويته ، لحد ماحاول مؤخرًا يتحصّل على وظيفة ادارية في مؤسسة حكومية .. لا يعنيه الراتب بقدر ما يعنيه القيمة والوجاهة .
اما عن نوايا ترك العمل لدواعي صحية ؛ فخليني اقولك ان كلنا مُتعَبين والله ومُجهَدين ونعاني في كل يوم أكثر من الذي يسبقه ، لكن هذه هي طبيعة الحياة التي أُمِرنا فيها بالسعي والكدّ مهما مررنا بها من غوائل ولاقينا فيها من مُعتركات ، وهذا يُحقق قول الله عز وجل «لقد خلقنا الإنسانَ في كَبَد» أي عناء ومشقة .. فلازم نجاهد ونعافر الى ان يقضي الله امرًا كان مفعولاً .. الى ان يصيبنا الدور وتُقبَض أرواحنا بَغتة .. والحديث يقول «من باتَ كالاًّ من عمل يده .. أصبح مغفورًا له» ..
ولو جينا ننظر للأمر من الناحية الدينية -كونك نوّهت عن استحبابك للتفرغ وللتقرب الى الله - فخليني اقولك دا شيء عظيم لكن ما يزيد من عظمته هو ان يقترن ذلك بالعمل .. واعتقد تعرف قصة الرجل الذي كان يمكث في المسجد يقيم فيه كل الفروض وينتظرها ، فسأله الرسول : ومن يُنفق عليك يا رجل ؟قال أخي .. فقال له : هو عند الله افضل منك ..
وقال رسول الله ايضًا : ما أكل أحدٌ طعامًا خيرًا من ان يأكل من عمل يده ، وان نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده ..
اما عن طلبك ان اترك رسالة لك ، والوالداتك ، ولحبيبتك ..
فأعتقد أنني إستفَضت في رسالتي لك لدرجة قد تجعلك تشعر بالضيق مني 🙏🏻
أما عن والدتك التي رفضت قرارك بترك العمل ؛ فهي بذلك تريد ان ترى قلبها يتحرك حولها وينبض امامها .. وانت ذاك القلب الذي يسكن في جسدها الذي أرهقه الزمن .. تريد من ابنها ان يغدو ويأتي فتشعر بشوقها اليه حتى يعود ، تريده يعمل ويكدّ ويتعثر وينهض فتشعر بقيمة دعائها له .. تريد ان تسأل عنك وتجد اجابة تختلف عن "موجود جوا" .. تريدك في حالة حركة حولها .. تحتضنها انت ، تدللها انت ، تحتويها انت ،تصبح لها ابنًا وأبًا بالقلب والقالب .. تُشعرها بالأمان تجاه اليوم والغد ، وليس انت من يدعوها للقلق حيال مستقبلك .. هي في حاجة الى أن تُدلل من حبيبها الأصغر وترتاح في الباقي لها فوق الأرض لا أن تظل تفكر وترتب وتقلق وتقيم ليلها في فكر ونهارها في حذر وتكهنات وخوف على ابنها وحياته وأسرته ..
أما عن فتاتك وتهديدها بالرحيل عنك اذا تركت العمل ؛ فأنا بدوري سأنتهز الفرصة لأرسل لها تحية إعزاز وتقدير .. فمن الجميل ان تجد فتاة تحضُّك وتحثك على العمل في زمن أصبح مُبتَغى معظم الفتيات فيه أن تجد من ينفق عليها والسلام حتى لو كان عاطلاً .. فحين تجد فتاة تحافظ على قيمتك وتهتم بكيانك الإجتماعي فهذا شيء تُثاب عليه بأن تظل في عملك ؛ لتصبح لها رجلاً كما يجب ان يكون .. رجل بحق لا مجرد ظل يلبي رغباتها فقط .